اللحوم تخاصم موائد العراقيين.. قصة ارتفاع أسعارها بين التهريب والجفاف وغياب الردع

اللحوم تخاصم موائد العراقيين.. قصة ارتفاع أسعارها بين التهريب والجفاف وغياب الردع
2024-02-16T17:50:08+00:00

شفق نيوز/ يشهد العراق منذ منتصف العام الماضي ومطلع العام الحالي تصاعداً كبيراً في أسعار اللحوم الحمراء، ومن المتوقع أن تصل إلى 25 ألف دينار للكيلوغرام الواحد خلال شهر رمضان، الذي يعد فرصة للتجار لممارسة الجشع واستغلال المواطن.

يقول قصاب من محافظة بابل، يدعى قاسم أبو حسين، إن "سعر كيلو لحم العجل الشرح 16 ألف دينار والعظم بـ14 ألف دينار، أما لحم الخروف فإنه يتراوح ما بين 18 – 20 ألف دينار"، عازياً سبب الارتفاع خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى "صعود أسعار الأعلاف والمحاصيل الزراعية التي تعطى كلف للحيوانات".  

من جهتها، ترجع المزارعة أم رحيم من قضاء السنية في محافظة الديوانية، "ارتفاع أسعار الحلال (المواشي) إلى الجفاف وما خلفه من انحسار المراعي الطبيعية التي توفر الأعلاف مجاناً للمربين، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الأعلاف مع قلتها، وهذا الارتفاع أدى إلى ارتفاع أسعار الحلال عموماً".

وتضيف لوكالة شفق نيوز، أن "القصّاب الذي يشتري الحلال بسعر مرتفع، سوف يبيعه بسعر مرتفع أيضاً، فهو يريد الاستفادة والعيش، لذلك حصل هذا الارتفاع في أسعار اللحوم".

موقف "بيّاع شرّاي"

ويتفق أبو مهدي من قضاء السنية في محافظة الديوانية، والذي يبيع ويشتري بالحلال من المربين، ومن ثم يبيعها بسوق المواشي التي تسمى محلياً بـ(الوكفة) أو (الجوبة) ومن ثم يأتي القصاب ليشتري منها المواشي، مع ما ذهبت إليه أم رحيم بأن 

"ارتفاع أسعار الحلال بصورة عامة يعود إلى ارتفاع أسعار الأعلاف مع قلتها".

ويوضح لوكالة شفق نيوز، أنه "في السابق كانت هناك مزارع جت وبرسيم، لكن حالياً هذه المزارع غير متوفرة، وقبل كان يُباع لوح الجت بأسعار تتراوح ما بين 30 - 40 ألف دينار، لكن حالياً الأسعار من 70 - 80 ألف دينار، وهذا كله يؤدي إلى رفع سعر العجول والأبقار، أما أصحاب الأغنام فقد ذهبوا إلى البوادي لرعي الأغنام فيها لتوفر العشب هناك، ما سبب في هذه الشحة وارتفاع أسعار اللحوم".

بائع آخر يدعى محسن من قضاء الهاشمية في محافظة بابل، يقول "عندما كانت المياه متوفرة كان ضمان الجت سهلاً، لكن حالياً هناك مشكلة في توفير العلف والذي يتراوح سعر الطن منه من 400 - 500 ألف دينار، كما كان سعر لوح الجت والبرسيم 40 ألف دينار، لكن حالياً ارتفعت الأسعار إلى الضعف، لذلك أصبحت الأعلاف مكلفة".

ويضيف لوكالة شفق نيوز، "ونتيجة لما سبق، فإن أصحاب المواشي مجبرون على بيع الحلال بسعر مرتفع لقلّة المساحات الخضراء الطبيعية بسبب الجفاف".

تهريب واستغلال

بدوره يرجع الخبير الاقتصادي، عمر الحلبوسي، أسباب ارتفاع أسعار اللحوم إلى "تزايد عمليات تهريب الأغنام من العراق نحو دول مجاورة، والذي أدى إلى تراجع كمية المعروض من الأغنام في السوق المحلية"

ويتابع الحلبوسي حديثه لوكالة شفق نيوز، "يضاف لذلك، أن الشعب العراقي يستهلك اللحوم بشكل كبير، وقد استغل التجار هذا الاستهلاك من أجل تحقيق أرباح كبيرة من خلال رفع أسعار اللحوم، كما أن غياب الردع الحكومي للتجار وضبط الأسعار هو الآخر سبب من أسباب ارتفاع أسعار اللحوم".

وأدى تصاعد أسعار اللحوم الحمراء، وفق الخبير الاقتصادي، إلى "عزوف المواطنين عن شرائه بسبب ضعف القدرة الشرائية للمواطن العراقي، وتراجع قيمة الدينار العراقي الذي أدى إلى حدوث حالة من الركود الاقتصادي في الأسواق العراقية".

ذائقة المستهلك

من جانبه، يشير المتحدث باسم وزارة الزراعة، محمد الخزاعي، إلى أن "المستهلك العراقي يُفضّل اللحوم المحلية وهذه مشكلة، حيث أن وزارة الزراعة تعلم أن المنتج المحلي لا يكفي لسد حاجة الطلب، لذلك كانت لديها إجراءات مبكرة بتعليق إجازات الاستيراد وتسهيل عملية استيراد اللحوم من مختلف المناشئ العالمية".

ويؤكد الخزاعي لوكالة شفق نيوز، أن "اللحوم الحمراء المستوردة بشقيها الأبقار أو الأغنام متوفرة وبأسعار معتدلة تتراوح ما بين 6 - 9 آلاف دينار، لكن المشكلة في الذائقة العراقية التي تذهب باتجاه اللحم المحلي وهذا يعني زيادة الطلب عليه". 

ويتابع، "كما أن العراق يعيش حالة جفاف، وهذا يعني شح مائي وارتفاع في درجات الحرارة وجفاف الكثير من الأهوار، وكانت من ضمن المعاناة نفوق أكثر من 7 آلاف رأس جاموس خلال السنة الماضية، وهذه أعداد كبيرة".

وينوّه، إلى أن "أكثر المربين في الوقت الحالي - نتيجة للموسم المطري والذي يؤدي إلى زيادة المساحات العلفية الخضراء في البادية والصحراء - يخرجون مواشيهم إلى المناطق البعيدة للاستفادة من وجود المياه والبساط العلفي لهم، لتجنب شراء الأعلاف في مناطقهم الأصلية، كما أن الفترة الحالية تعد فترة تسمين وولادة وتفريخ".

ويبين المتحدث باسم وزارة الزراعة، "ونتيجة للظروف أعلاه، زاد الطلب على اللحوم المحلية ما أدى إلى ارتفاع أسعارها، لكن هذا الارتفاع مؤقت، وهو يتكرر في هذا الوقت من كل عام، وسوف تعود الأسعار تدريجياً إلى مستوياتها الطبيعية قبل عيد الفطر، عند عودة المربين إلى مناطقهم لبيع مواشيهم بالسوق المحلية".

وعن علاقة قرب شهر رمضان بارتفاع الأسعار، يوضح الخزاعي، أن "في كل الدول العربية والإسلامية ترتفع فيها الأسعار في شهر رمضان، وهذا لا يعزا إلى قلّة الموجود، بل تدخل فيه عوامل كثيرة منها زيادة الطلب، حيث إن الأسر العربية والإسلامية قبل الشهر الفضيل تتوجه إلى الأسواق للشراء، وفي ظل وجود بعض ضعاف النفوس من التجار تحدث عمليات احتكار، إلى جانب عوامل عديدة أخرى".

ويكمل، أن "مراقبة الأسعار ليست من مسؤولية وزارة الزراعة، بل الجهات التابعة لوزارة الداخلية فهي المعنيّة بمراقبة حركة الأسعار في الأسواق، أما وزارة الزراعة فهي تقوم بما عليها من إجراءات وواجبات للحفاظ على مستويات معتدلة ومعقولة للأسعار في الأسواق المحلية". 

وخلص الخزاعي إلى القول، "لذلك المشكلة ليست في العراق فقط، وإنما في كل الدول يحدث استغلال المناسبات بزيادة أسعار بعض السلع التي تشهد طلباً متزايداً عليها بشكل غير طبيعي".

ارتفاع عالمي 

ويقف مدير عام دائرة الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة، د.وليد محمد رزوقي، على مسافة قريبة مما ذهب إليه محمد الخزاعي، مبيناً أن "هناك صعوداً عالمياً وليس في العراق فقط، بل حتى في إيران التي تعد أرخص دولة يمكن القياس عليها، فقد وصلت أسعار اللحوم فيها إلى 20 ألف دينار للكيلوغرام الواحد".

ويضيف رزوقي لوكالة شفق نيوز، أن "وزارة الزراعة أعطت إجازات استيراد لحوالي 65 ألف عجل، لذلك لا توجد شحة، بل ما يحصل هو ارتفاع عالمي في الأسعار، كما أن أسعار النقل في تصاعد مستمر، حيث إن أزمات الشرق الأوسط خلقت أزمة في نقل اللحوم".

أما الأغنام فإن أعدادها جيدة، بحسب رزوقي، "لكن هناك عمليات احتكار ومضاربات، وأن العملية تضم حلقات متعددة تبدأ بالمربي وتاجر الجملة وتاجر التجزئة وتنتهي بالقصاب، وعند تحميل كل واحد من هؤلاء ألف إلى ألفين دينار على الكيلو تحصل هذه الزيادة في الأسعار وهذا هو السبب الرئيسي".

ويشير إلى أن "أسعار الأعلاف في انخفاض مقارنة بالعام الماضي، لكن رغم ذلك هناك ارتفاع في الأسعار، حيث وصل سعر الذرة في العام الماضي إلى 600 ألف دينار للطن، وحالياً 350 ألف دينار للطن، والنخالة كذلك، فقد كانت 600 ألف دينار للطن في العام الماضي، وحالياً تصل إلى 400 ألف دينار للطن".

ويزيد، "كما هناك زراعة أعلاف خضراء، بل إن بعض المزارعين قام بتصديرها، لذلك الأعلاف ليست المشكلة، وإنما هناك مضاربة كما حصل في بيض المائدة العام الماضي نتيجة العرض والطلب، وفي الوقت الحالي مع قرب شهر رمضان يحصل احتكار".

ويتابع، أن "وزارة الزراعة - بدورها - سمحت باستيراد الحيوانات الحية لأغراض الذبح سواء كانت أغنام أو عجول، وأن استيراد العجول يتم من مناشئ عالمية (أستراليا وكولومبيا والإكوادور والبرازيل)، لكن هناك ارتفاع عالمي في الأسعار، وحتى أصحاب الجوبة (سوق المواشي) البسطاء يعزون ارتفاع الأسعار إلى الارتفاع العالمي".

الارتفاع سوف يستمر

وبلغت نسبة التضخم السنوية في العراق 4.5% مع ارتفاع ملحوظ لمستوى التضخم في الشهر الأخير من سنة 2023 على الرغم من رفع المركزي لسعر الفائدة وطرح السندات التي من شأنها أن تكبح جماح التضخم، بحسب رئيس مؤسسة "عراق المستقبل" للدراسات والاستشارات الاقتصادية، منار العبيدي.

وقال العبيدي في تدوينة، الأربعاء الماضي، إن "عوامل خارجية وأخرى داخلية ساهمت وستساهم في ارتفاع نسب التضخم وتحديداً في المواد الغذائية، حيث يلاحظ أن أغلب المحافظات شهدت ارتفاعاً كبيراً بأسعار اللحوم والأسماك خلال 2023 بنسب تفوق الـ20%، ومن المتوقع استمرار هذا الارتفاع لأسباب تتعلق بشحة اللحوم، بالإضافة الى ارتفاع أسعار النقل عالمياً وأيضاً لقلة المعروض من اللحوم في هذه الفترة من السنة".

حملات كبرى

وكان وزير التجارة العراقي، أثير داود الغريري، أعلن الأحد الماضي، عن إطلاق حملات كبرى لرفد السوق باللحوم والبيض استعداداً لشهر رمضان المبارك.

وقال الغريري في بيان إنه "تم إطلاق حملات كبرى لرفد السوق بمادتي اللحوم والدجاج وبيض المائدة وبأسعار تنافسية في محافظات البلاد كافة استعداداً لشهر رمضان المبارك"، مؤكداً "فتح منافذ تسويقية جديدة بالتزامن مع شهر رمضان المبارك لخلق التوازن والسيطرة على أسعار المواد الغذائية في الأسواق المحلية". 

وأضاف، أنه "ستكون هناك حملات للفرق الجوالة لبيع المواد الأساسية وبأسعار تنافسية ومدعومة في المدن والأقضية ابتداءً من الأول من شهر آذار المقبل". 

وأشار إلى "توسيع نطاق الحملات الرقابية وإجراءات صارمة بحق المتلاعبين بأسعار المواد الغذائية تتزامن مع إجراءات الوزارة خلال شهر رمضان".

تقرير: وكالة شفق نيوز

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon