ما مستقبل العلاقات العراقية الأمريكية بعد الانسحاب في ظل "مؤشرات خطيرة" مقلقة؟

ما مستقبل العلاقات العراقية الأمريكية بعد الانسحاب في ظل "مؤشرات خطيرة" مقلقة؟
2024-02-23T20:00:50+00:00

شفق نيوز/ يؤكد مراقبون أن أفضل شريك استراتيجي للعراق هو الولايات المتحدة، لذلك من المصلحة الوطنية توثيق العلاقة مع أمريكا، لكن بشرط تحديدها لا أن تبقى مشوشة وغير واضحة ما تؤدي إلى اختلاف السلوكيات عن التصريحات.

وتشهد العلاقة العراقية الأمريكية - في الوقت الراهن - حالة هدوء مع تراجع التعرضات التي كانت تحصل على القواعد والمعسكرات التي تتواجد فيها القوات الأمريكية من قبل فصائل المقاومة، في وقت يدور الحديث حالياً حول إنهاء مهمة التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، بحسب الرسالة التي ذكر رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني - في مؤتمره الصحفي الأخير - أنه استلمها من الإدارة الأمريكية. 

ودفعت عشرات الهجمات والعديد من الردود الأمريكية عليها، بما في ذلك مقتل قيادي كبير في حركة النجباء في بغداد يوم الخامس من يناير/ كانون الثاني، السوداني إلى إعلان أن التحالف أصبح عاملاً لعدم الاستقرار في المنطقة، معلناً بدء محادثات لإنهاء وجوده في العراق.

فيما خلصت الإذاعة الوطنية الأمريكية "ان بي آر" إلى أن اغتيال القيادي في كتائب حزب الله العراقي أبو باقر الساعدي في 7 شباط/ فبراير الجاري، له تداعيات أوسع على مستقبل الوجود العسكري الأميركي، وسط تكهنات بأن التحالف الدولي سيتم حله خلال عام، وأن الأمريكيين سيحتفظون بوجود عسكري رمزي في حجمه داخل العراق.

انسحاب خلال سنة

وكانت الحكومة العراقية أعلنت مراراً وصراحة، عدم حاجتها لوجود قوات أجنبية على الأراضي العراقية وهذا يتحقق من خلال الاتفاقية الاستراتيجية بين العراق والولايات المتحدة، وفق عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، النائب علي نعمة البنداوي، ويضيف، "لذلك ذهبت الحكومات المتعاقبة بعد هذا الاتفاق إلى حاجتهم لقوات تدريبية خلال الفترة الماضية التي كانت تشهد تهديدات أمنية وإرهابية".

ويتابع البنداوي لوكالة شفق نيوز، "لكن بفضل جهود كل القوات العراقية بما فيها الحشد الشعبي والبيشمركة والداخلية والدفاع وجهاز مكافحة الإرهاب، تم تحرير كامل الأراضي العراقية من داعش، لذلك ذهبت الحكومة إلى إيجاد طريقة أخرى لتقليل حجم الوجود الأجنبي في العراق".

ويوضح، أن "الحكومة جادة بإنهاء الملف، وشكلت لجنة فنية أمنية عالية المستوى لغرض دراسة انسحاب ما تبقى من القوات الأجنبية من الأراضي العراقية، على أن تبقى العلاقة دبلوماسية واقتصادية، كما اجتمعت لجنة الأمن والدفاع مع القائد العام للقوات المسلحة وكذلك مع القوى السياسية لمناقشة هذا الملف".

بدوره، يدعم مجلس النواب - بحسب البنداوي - توجهات الحكومة في هذا الملف، وأعلن البرلمان في أكثر من مناسبة ضرورة انهاء مهمة التحالف الدولي في العراق، وأن تكون العلاقة متعددة في الجوانب الاقتصادية والسياسية وغيرها.

وعن المخاوف بشأن تكرار الاستهدافات المتبادلة لحين الانسحاب، يبيّن، أن "القوى السياسية والفصائل المسلحة أغلبها مشترك في الحكومة، وأعلنت عدد من الفصائل إيقاف هجماتها واعطاء الحكومة فرصة للتفاوض لإنهاء وجود التحالف، والأخير سيكون أكثر انضباطاً لحين انسحابه المتوقع خلال سنة وفق معايير في مقدمتها تحسن الوضع الأمني في العراق". 

مستقبل العلاقة

من جهته، ينوّه الباحث في الشأن الاستراتيجي والعسكري، اللواء الركن المتقاعد الدكتور عماد علو، إلى وجود فرق بين القوات الأمريكية وبين إنهاء مهمة التحالف الدولي الذي يشمل أكثر من 60 دولة، الذي جاء بطلب من الحكومة العراقية وتفويض من الأمم المتحدة.

ويوضح علو لوكالة شفق نيوز، "أما بالنسبة لجدولة إنهاء مهمة التحالف، فهذه معنية بها اللجان التي انبثقت عن المحادثات الثنائية التي تجري بين العراق والوفد الأميركي العسكري الفني، وهذه اللجان لم تصل - لحد الآن - إلى نتيجة واضحة ولم يُعلن عن نتائجها، إذ لا تزال المحادثات مستمرة، لكن هناك ثلاث لجان انبثقت عن هذا الاجتماع الثنائي، هذا من جانب".

ويتابع، "من جانب آخر، أن العراق والولايات المتحدة الأمريكية يحرصان على أن تكون مستقبل العلاقة بينهما مبنية على التعاون والاحترام المتبادل، ووفقاً لما ورد في اتفاقية الإطار الاستراتيجي السابقة، وخاصة في مجالات الصناعة والزراعة والتعاون في المجال العلمي والثقافي وتبادل الزيارات وغيرها".

ويوضح، "كما هناك جانب أمني في هذه الاتفاقية، وأن تطويرها أو الانتقال إلى مرحلة جديدة حتمتها اتفاقية الإطار الاستراتيجي التي مضى عليها نحو 10 سنوات، لذلك بات من الضروري إعادة النظر فيها لتحديد مسارات العلاقة بالشكل الإيجابي بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية، وأن الطرفين حريصان على ذلك".

أهمية وجود التحالف الدولي

لوجود التحالف الدولي مردودات سياسية واقتصادية وأمنية، وعلى العراق التفاعل مع السياسة الدولية والمنظومة الأمنية الدولية في المنطقة التي هي قوات التحالف الدولي، لاسيما عند الأخذ بنظر الاعتبار موقع العراق الاستراتيجي من المنطقة، بما يحتوي من إمكانيات وموارد تستطيع بها قوات التحالف الانتقال من علاقة أمنية إلى علاقة اقتصادية واستثمارية، وفق أستاذ العلاقات الدولية، د.معتز النجم.

ويؤكد النجم لوكالة شفق نيوز، أن "العراق بحاجة إلى مثل هكذا علاقات سواء على صعيد اقتصادي أو سياسي، في وقت يدرك التحالف الدولي، أن الراعي للعملية السياسية هي الولايات المتحدة، وأن الأخيرة هي ضامنة للاقتصاد العراقي باعتبار أن موارد العراق الاقتصادية والمردودات النفطية تذهب إلى الفيدرالي".

وينوّه إلى أن "الولايات المتحدة دول عظمى، ولا يوجد شريك استراتيجي للعراق أفضل من أميركا، لذلك من المصلحة الوطنية توثيق العلاقة معها، لكن أن تحدد طبيعتها لا أن تكون علاقات مشوّشة وغير واضحة، وبالتالي تختلف السلوكيات عن التصريحات".

وكانت هناك بصمة واضحة للعملية الاستراتيجية لطبيعة العلاقة عندما ذكر السوداني - في مؤتمر ميونخ الأخير - أن هناك علاقة قوية طويلة وشراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة، ويؤكد النجم، أن "هذا ينبغي أن يدوم ويستمر من أجل الحصول على مكاسب سياسية، في وقت لا تزال البلاد في تشظي داخلي تحتاج إلى راعٍ رسمي وداعم حقيقي على صعيد النطاق الإقليمي والدولي لتأمين مصالح العراق وموقفه الريادي".

ويضيف، "لذلك الولايات المتحدة هي أفضل حليف يمكن أن يستند إليه العراق ويستفاد منه بتحديد طبيعة العلاقة والتعامل معها، كما أن قوات التحالف جاءت لأسباب أمنية، لكن كلما كان الأمن هشاً كلما كان الاقتصاد رخواً، والعكس صحيح، كلما كان الأمن أقوى كلما كانت هناك رؤوس أموال جاذبة".

ويتابع، "لذلك الأمن أساس كل شيء، وحتى شعار الأمم المتحدة السلم والأمن الدوليين، لذلك لا يمكن أن يستمر السلم دون أمن، فالأمن العنصر الأساسي لجذب السياسة والاقتصاد والاستقرار وعملية تحقيق التنمية المستدامة".

لكن يلاحظ في الآونة الأخيرة، ظهور إشكاليات من نوع آخر، وهي تصفية شخصيات واغتيالات، وهذا مؤشرات خطيرة، كما يصفها أستاذ العلاقات الدولية، معتبراً أن "الاغتيالات الفردية هي أخطر من الصواريخ و(الدرون)، لأنها مبهمة وبين أطراف داخلية، وهي مشكلة قد تتطور، لاسيما نوعية الأشخاص المستهدفين الذين قد يكونون تابعين لجهات وفصائل لها أجنحة مسلحة وتمثيل سياسي".

ويبين، أن "هذه الاغتيالات قد تكون بداية خطيرة لزعزعة الأمن والاستقرار الداخلي، وهي رسائل على السوداني إدراك كيفية التعامل مع هذه الإشكاليات التي قد تعيد البلاد إلى المربع الأول (مربع الصراعات الداخلية)، وتكون المرحلة الأولى للاقتتال الداخلي، لاسيما وأن هناك فصائل وعشائر تملك أسلحة متوسطة وثقيلة".

وعن تداعيات انسحاب التحالف الدولي على ذلك، يبيّن، أن "المشكلة في العراق تتمثل بعدم وجود حس استخباري قوي، لذلك إذا استطاع العراق الاستفادة من إمكانيات التحالف بتفعيل الجانب الاستخباري لرفد الجهات الأمنية العراقية بالمعلومات عن الذين يقومون بالاستهدافات والاغتيالات بما تملك من إمكانيات استخبارية، في ظل سيطرتهم التامة على السيادة الجوية، أما العراق فليس لديه جهد استخباري قوي، ولا قوات دفاع جوي، ولا أجهزة استشعارية لبعض الجرائم التي قد تحدث".

وخلص إلى القول، إن "على العراق تحديد طبيعة العلاقة مع واشنطن، وأن يكون شريكاً لقوات التحالف الدولي، شراكة استراتيجية حقيقية تبنى على مصالح وطنية عراقية عليا، أما السوداني فهو يدرك أهمية وجود التحالف والولايات المتحدة، لكن الممارسات العراقية بتشكيل اللجان هي من أجل تنفيس الضغط لما يمارس على السوداني من بعض الجهات بضرورة طرد أمريكا والتحالف الدولي من العراق".

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon