الدنيا بصرة

استمعت في احد اللقاءات الرسمية لأحد أمراء الخليج عن ارتباطهم بالبصرة وخيرها، وهو يقول: كنا حينما تتوفر لنا كمية جيدة من الغذاء، فان اهل الدار يعبرون عن فرحهم ورضاهم بعبارة (الدنيا بصرة).

ورغم اختزال عدد النخيل بشكل كبير بسبب سياسات النظام السابق في حرق الملايين منه، لدوافع حربية، ثم مظاهر وسلوكيات لاحقة حولت البساتين والمزارع الى مجمعات سكنية عشوائية، ورغم اندثار بعض أنهارها أو تلوثها، فهي تبقى رمزاً للخير والعطاء بخيرها الوفير على العراق والمنطقة.

يمكن لي أن أعبرَ عن ارتباطي الوجداني بهذه المدينة من خلال ابنتي البكر (غدير) التي ولدت في البصرة، حينما ذهبت اليها لاجئا من مطاردات ومشاكسات يومية لأجهزة أمن النظام السابق وأسباب أخرى مرتبطة بالعمل والرزق فيها. ولي ذكريات ما زالت طرية الى يومنا هذا، حيث منطقة الجزائر والبصرة القديمة والبراضعية ومستشفى السعدون والطبيبة الطيبة (د. وفاء عدنان) واصدقاء بصريين رائعين. ولأني عشت فترة طويلة نسبيا فيها، وأعرفُ شوارعها وأهلها بشكل جيد، فيمكن أن أقولَ إنّ البصرة تقدمت بعد العام 2003 بشكل ملحوظ على بقية محافظات العراق برغم الانتقادات التي نسمعها عن حالها، الذي يقل مستواه حتما عن اعادة الوصف الذي يليق بها (الدنيا بصرة): جسور وبنايات وكهرباء مستقرة نسبيا واستثمارات وساحات، اجتهد المحافظون في إنشائها، لكنها لا تكفي أن تجعل اهل بلدات الخليج يعودون لوصف يومهم الوفير بالغذاء بأن (الدنيا بصرة)، يقابل ذلك استنزاف مياهها العذبة، بسبب انتاجها الوفير من النفط، الذي يشكل نقمة بيئية عليها، بينما يوفر أموالا طائلة لسواها من محافظات العراق، وهي لا تقابل بالقدر الكافي من الوفاء الذي يوازي كرمها علينا.

أتواصلُ مع أصدقاء بصريين، ومنهم صديقي محافظها الحالي، حيث أتحدث بحلمي لها بأن تصبح البصرة (بافاريا) العراق، كما هي مقاطعة بافاريا، التي تمثل قاطرة الاقتصاد الألماني.

وبمقارنة أخرى ـ في ألمانيا أيضا ـ فشط العرب يشبه الى حد كبير نهر ألبه (Elbe) الذي يقع في نهايته ميناء هامبورغ: الأكبر في المانيا، والثاني في اوروبا، والتاسع عالميا، وهو يشابه الى حد كبير ميناء المعقل العراقي، ما عدا فرق الطول؛ فالمعقل يبتعد 135 كم عن البحر، بينما يبعد ميناء هامبورغ حوالي 110 كم. والفرق الآخر يخص درجات الحرارة حتما. وان أي مختص لبيب في شؤون المياه، يمكن له ان يرى ان البصرة يمكن لها تصبح فينيسيا الشرق ايضا بأنهارها الكثيرة المتشعبة عن شط العرب، الذي يحتاج الى إنشاء منشأ هيدروليكي عملاق، يمنع إفساد مياهه العذبة الواردة من دجلة والفرات مع مياه البحر المالحة، وهو ليس بالأمر المستحيل إنْ توفرت الأموال اللازمة لإنشائه، وهي لا تشكل سوى عائدات إنتاج يومين فقط من نفط البصرة.

أخيرا، أجيزُ لنفسي أن أعبّرَ بالقول: إن العراق سيكون بخير اذا كانت البصرة بخير وعافية. البصرة المتعافية بأهلها وبعض نوابها الشجعان وطاقاتها البشرية الهائلة.