الذكاء السعودي المؤجل

2017-03-17T07:53:00+00:00

  راقبت المملكة العربية السعودية التي لم تكن على ود مع نظام صدام حسين الوضع العراقي بعد عام 2003 والدخول الأمريكي الصادم الذي قلب معادلات السياسة في الشرق الأوسط وغيّر من شكل وطبيعة الأحداث، ورسم خارطة جديدة ترسم معالم خرائط أكثر جدية في المستقبل القريب للمنطقة برمتها، ولم تكن الرياض مرتاحة لصعود الشيعة الى السلطة ومن ورائهم إيران التي دفعت الأمور الى مواجهة مفتوحة على مدى خارطة الشرق الأوسط، وكانت دول الخليج مهيأة لدفع ثمن مضاعف بسبب غياب الأفق السياسي، وعدم توفر رؤية سياسية واضحة، وقراءة للأحداث فأوقفت أي تعامل مع العراق، وصار الحكم فيه بمثابة العدو، وكانت الإستراتيجية السعودية طوال 13 سنة الماضية تركز على منع العراق من العودة الى وضعه الطبيعي كجزء من المنظومة العربية بسبب خشيتها من وجود شيعي رسمي في أروقة الجامعة العربية، ولم تكن تفكر كثيرا بالتحولات المتسارعة وماحدث بعد ذلك في لبنان وسوريا واليمن والبحرين، والجبهات المفتوحة لصراع شديد ومحتدم كانت الرياض فيه عاجزة تماما عن فتح كوة، أو منفذ حتى إنتهت مدة رئاسة أوباما التي أفضت الى رئاسة مختلفة ضاغطة متمثلة برئيس وجّه سهام غضبه نحو العرب والمسلمين وخاصة إيران التي يجد أنها العدو الأول للنفوذ الأمريكي في المنطقة والمهدد لوجود إسرائيل.

    ترامب الذي إلتقى محمد بن سلمان في البيت الأبيض وهو المرشح لتولي عرش المملكة بعد والده سلمان برغم مافي المسألة من نظر نتيجة لصراع الإرادات داخل الأسرة الحاكمة، أعلن هذا الرئيس في أكثر من مناسبة إنه سيتحرك ضد إيران وحزب الله وضد نظام الرئيس بشار الأسد والقوى المؤيدة لإيران في المنطقة، وهذا ماشجع السعوديين على الأخذ بزمام الأمور التي لاتخرج عن كونها رؤية أمريكية جادة لمنطقة الشرق الأوسط مابعد داعش حيث التغيير في معادلة الصراع وتوازن القوى والدور المرسوم لكل قوة ومنظمة وحكومة. فكانت زيارة وزير الخارجية عادل الجبير الى بغداد ولقائه مسؤولين كبارا في الحكومة، ثم توجه وفد رسمي عراقي الى الرياض وزيارات للرئيس الإيراني حسن روحاني الى الكويت وسلطنة عمان، وحراك نحو اليمن وسوريا لحلحلة الأمور، وكل هذا يجري في ظل تصاعد حدة الخطاب الأمريكي ضد إيران، وبينما تدرك طهران نوع التهديد، وماعليها أن تفعله يبقى على دول الخليج أن لاتنظر الى إيران بإعتبارها الطرف الأضعف في المعادلة لأن ذلك من شأنه أن يدفع طهران الى القيام بمناورة سياسية تفضي الى تهدئة، ولكنها تنتظر الفرصة للإنتقام من الدول العربية المدعومة أمريكيا وأوربيا بإعتبار إن أي دعم لن يكون الى مالانهاية. وبينما تعتمد تلك الدول على النفط المهدد بالنضوب وهو ماسيجعلها في الخانة المهلمة أمريكيا وأوربيا، فأن إيران تحتفظ بنفوذها الحضاري والعسكري وقدراتها الإقتصادية المتنوعة وتوفر مجموعات بشرية كبيرة مؤيدة لطهران في عموم المنطة، وبمعنى أدق فإن من ينتهز الفرصة هم الخليجيون، وليس الإيرانيون وحسب لأن ضغط ترامب يدفع إيران الى المراوغة، وليس الى الإستسلام، ولكنه ضغط ليس بمتناول اليد على الدوام، وإذا كانت إيران ستتراجع قليلا الآن فإنها تمتلك أدوات العودة لاحقا، وهو مالايتوفر للعرب.

    العراقيون يفهمون أيضا أنهم بين خيارين أحلاهما مر. فإما التوجه الى الحاضنة الإيرانية مايعني المزيد من العنف والضغط السياسي والإقتصادي، أوالى الحاضن السعودي الذي يغري بإمتيازات وبطريقة تعامل جديدة وبفتح آفاق من العلاقات تعيد العراق الى الواجهة، ويبدو أن الذكاء سعودي الإستخدام لكنه أمريكي الصنع.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon