مجالس المحافظات وإشکالیة عدم الاستقرار التشريعي

مجالس المحافظات وإشکالیة عدم الاستقرار التشريعي

دیار طیب برواري

2023-03-10T15:22:26+00:00

مع التسرع الملحوظ لدی مجلس النواب في هذه الدورة للتعدیل علی قانون إنتخاب مجالس المحافظات و الاقضية و الدمج له مع قانون إنتخاب مجلس النواب، يتساءل المطلع و السیاسي حول هذا الاصرار و العجالة في طرح قانون مليء بالثغرات القانونیة والمخالفات الدستوریة و الاشکالیات الفنیة المرافقة للتنفیذ، حیث أشرت الیها في مقال سابق، یوازیه ذلك مسيرة السلحفاة في تشریع البعض الاخر من القوانین. فهل إن بدعة تجربة الانتخابات النیابیة المبکرة کان لها صدی ناجح من أجل إعادة التجربة ؟ ام إن الضرورة تستدعي الاستعجال في تنظیم کل العملیة السیاسیة لضمان عدم تکرار الدرس السابق بعد أن شهد انسحابا غیر متوقع للتیار الصدري صاحب أکبر عدد من المقاعد النیابیة من العملیة السیاسیة؟

لکني ساترك الاجابة علی تلك الاسئلة حالیا و أرجع الی صلب الموضوع و نحاول الاجابة عن أهمیة تم تاسیس مجالس المحافظات و تفعلیها و مساندتها. إن الدستور العراقي بلا شك دستور راقي من حیث فلسفة الحکم و العمل علی بناء دولة قویة و مستقرة وفق نظام نیابي یتشارك تضامنیا الشعب العراقي في مسؤولیة إدارة البلد و تحمل أعباء الدفاع عن المواطن و متطلباته و الوطن و إستقراره.

لقد بني العراق الجدید، بعد التغییر التاریخي الذي حدث في سنة 2003، علی نظام متعدد السلطات و الصلاحیات وفق ما ورد في الدستور العراقي، کون العراق تحول لیصبح بلدا إتحادیا بعد أن کان یعیش نظاما مرکزیا دکتاتوریا. وکما هو معروف فان الاتحادیة تعني بشکل جلي توزیع الادوار بین مستویات مختلفة في مفهوم إدارة الدولة تتحد في النهایة في تنفیذ الدستور و سیاسات البلد العامة و إسعاد الشعب. لقد توزعت الادوار في موضوع مستوی السلطات بین التشریع و التنفیذ و القضاء، علی اساس الثنائیة في المستوی الاتحادي. بینما کان للاقالیم و المحافظات غیر المنتمیة للاقلیم، دور بالغ الاهمیة في ممارسة هذه السلطات علی رقعها الجغرافیة و الاداریة. فالسلطة التنفیذیة في المحافظات الغیر منتمیة في اقلیم تمثل في مؤسسات إدارة المحافظة. بینما مجلس المحافظة هي الجهة التشریعیة لخدماتها الاداریة و التنمویة و کذڵك تمارس الدور الرقابي ضمن حدودها الاداریة. إن من المنطقي أن یکون الدستور حامیا لتوزیع السلطات و لمنع التداخل بینها، و هو ما شاهدناه من تشریع مجلس النواب لما هو مخالف للدستور حیث منع مجالس المحافظات من الوجود و منح حق الرقابة في المحافظات الی أعضائه نیابة عن أعضاء مجلس المحافظة. إن التعذر بان المجالس لم تکن بالمستوی المطلوب یستدعی بالضرورة  و الحرص الوطني أن یتم مساعدتها في تجاوز تلك السلبیات و العمل علیها لتطویر عملها و لیس بتجمیدها و فتح المجال أمام الکثیر و الکثیر من عملیات الفساد الاداري و الفساد المالي، متزامنا مع منع وصول صوت مواطني المحافظات الی الدولة من خلال إزالة ممثلیها و منتخبیها من الوجود في ساحة العمل الحقیقیة. کما تم منح بعض من صلاحیات الغیر قانونیة الی رئیس مجلس الوزراء في التعامل مع المحافظ و المحافظات بالتذرع بعدم وجود مجالس المحافظات.

إن المادة (122) و المادة (123)  من الدستور کانت واضحة في تفسیر مفهوم المحافظات و مجالسها، لکن قانون مجالس المحافظات رقم (21) لسنة 2008 و تعدیلاتە المتکررة تضعنا أمام إشکالیة تشریعیة لاستقرار تنظیم عمل هذه المجالس. إن کل ما یتبادر الی ذهن المراقب إن التغییر المستمر في التشریعات لم تکن من أجل إصلاح و تطویر عمل المجالس و فتح فضاء للممارسة الدیمقراطیة و اللامرکزیة الاداریة بشکل فعال، ینتج عنه صدی في شعور المواطن بإیجابیة العمل في المحافظات فیما یتعلق بالخدمات و الملف الامني و ملف الاستثمار و التمنیة. بل أن هذا کان من اجل ضمان وصول جهة سیاسیة علی حساب جهة و کان هذا واضحا عند تصدر بعض القوی السیاسیة للخارطة السیاسیة و عملها من اجل ضمان بقائها و کان تعدیل التشریع اول ما تفکر به.

یمکن ان یثمر العمل الجاد و التنسیق بین مختلف القوی السیاسیة المشارکة في الحکومة أو خارجها، الی قانون مناسب یضمن عدم تعدیله کل سنة أو کل دورة نیابیة. الامر الذي یمکن أن یضمن الاستقرار السیاسي في العراق بهدف التنمیة و الترکیز علی توفیر الخدمات للمواطنین، فهل یاتری سیرمي مجلس النواب سهمه الی الهدف من خلال تعدیل هذا التشریع !

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon