محرقة الكورد الفيليين التي سكت عنها الجميع

محرقة الكورد الفيليين التي سكت عنها الجميع

صادق الازرقي

2021-04-02T17:41:17+00:00

يتفق معظم المؤرخين والخبراء على ان كثيرا من وقائع التاريخ، وربما معظمها صيغت كصفحات تؤرخ لتبييض تاريخ الحكام، وحتى الطغاة منهم؛ لتزين صورهم المشبعة بأعمال القتل والوحشية، اما احوال الشعوب ومعاناتها في ظل تلك الأوضاع فيجري التغاضي عنها واهمالها.

حدث هذه في كثير من الاحداث حين يجري سرد وقائع الحياة اليومية، وقطعا فان ما تعرضت له مئات الاف العائلات العراقية من الكورد الفيليين قبل اكثر من اربعة عقود في مثل هذه الايام، يدخل في هذا الإطار من التجني والإهمال بشهادة الجميع؛ لأن المسألة واسعة وتتعلق باضطهاد مجموعة عرقية كبيرة عاشت لمئات بل آلاف السنوات في العراق الذي عرف بتنوع اقوامه.

مكمن المفارقة التي تبعث على الحزن، ان عمليات التهجير القاسية التي طالت الكورد الفيليين وبرغم قسوتها ووحشيتها قوبلت في حينه، وحتى الآن بصمت اعلامي تام حتى من قبل الاعلام في دول اوربا وامريكا، التي يفترض انها تحتفي بالإنسان وتتبع معاناته، وذلك ما تعلن عنه جهارا، وبرأي المراقبين كان يفترض بالإعلام الدولي، ولا نقول بالدول والحكومات، ان يكون محايدا وان يبرز مأساة الفيليين على حقيقتها كأبرز عملية تطهير عرقي " جينوسايد" جرت في تلك المدة من التاريخ البشري.

تمر في هذه الايام الذكرى 41 للإبادة الجماعية ضد الكورد الفيليين العراقيين، اذ جرت في مثل هذه الايام اكبر عملية اعتقال نفذت بصورة جماعية في تاريخ العراق والمنطقة بحق مئات آلاف العائلات الكوردية الفيلية في محافظات ومناطق متعددة في بغداد والكوت وخانقين والحي وبدرة وجصان والبصرة وديالى وميسان والكوفة والناصرية، وذلك باحتجاز اعداد هائلة من الناس بذريعة انهم من أصول غير عراقية؛ وهو منطق عده المؤرخون والمراقبون غريبا، اذ ان العراق تكوّن بطبيعته من شعوب هاجرت اليه من بيئات اخرى ومنهم العرب، وكذلك هو حال معظم سكان دول العالم الذين اختلطت اجناسهم وتلاقحت فيما بينها؛ وهذا هو ديدن البشرية، وفي الحقيقة فان الكورد الفيليين تعرضوا أيضا في مطلع سبعينات القرن الماضي الى عمليات تهجير قوبلت أيضا بصمت مطلق من قبل المجتمع الدولي.

لقد نفذت عمليات تهجير 1980 بمنتهى القسوة، اذ جرى فيها فصل الابناء من الشباب وحتى الصبية عن امهاتهم وابائهم وزج بهم في سجون ومعتقلات النظام المباد المنتشرة في جميع محافظات العراق، ولقد قدرت اعداد من طالتهم تلك الحملة بأكثر من ستمئة الف من الكورد الفيليين في العراق، بحسب الأرقام المعلنة والعدد اكبر من ذلك في واقع الامر؛ وكذلك جرت عمليات تفريق الزوجات عن أزواجهن قسرا، وتطليق الزوجة الفيلية أو الزوج الفيلي، فضلا عن منعهم من إكمال الدراسات العليا، وكان من ضمن إجراءات الحملة، ان نظام الحكم اصدر أمرا بجمع مئات من تجار العراق في بغداد يوم 7/4/1980 بحجة التباحث في اجراءت اقتصادية تتعلق بعملهم، وكان مئات من التجار الكبار من الكورد الفيليين في تلك القاعة التي ضمت نحو الف تاجر من حاملي هوية غرفة التجارة.

لقد جرى إسقاط الجنسية العراقية عنهم ثم عن مئات الوف الكورد الفيليين، بموجب قرار صادر عن مجلس قيادة الثورة المنحل برقم 666 في 7/5/1980، وجرى تجريدهم من جميع الممتلكات وحتى البيوت والوثائق الثبوتية، وجرت مصادرة شركاتهم ومصالحهم التجارية.

لقد جرى اعتقال الأسر بالكامل ونقل شباب العائلات ليحتجزوا في أماكن الاعتقال بعيدا عن عائلاتهم ولقد اختفى كثير من هؤلاء المخطوفين لاحقا؛ ثم تبين ان كثيرا منهم كانوا يتعرضون الى التجارب على الأسلحة، وجرت من ثم تصفيتهم من قبل مؤسسات النظام الامنية ومختبراته السرية عبر التجارب الكيمياوية والغازية السامة، وذلك قبل استعمال تلك الأسلحة والغازات السامة في الحرب العراقية الإيرانية، وفي عمليات الانفال بكوردستان؛ ولقد قدر عدد من فقدوا حياتهم في تلك الأيام من الكورد الفيليين بأكثر من 20 ألف شاب لم يعرف مصيرهم حتى الآن ـ الأمر الذي عدته المحكمة الجنائية العراقية العليا في 29 تشرين الثاني 2010 جريمة إبادة جماعية ـ وفي عام 2003 قدرت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أن 65% من اللاجئين في إيران هم من الكورد الفيليين الذين جرى ترحيلهم بالقوة.

لم ينصفوا الضحايا بعد التغيير

المفارقة الأكبر التي تبرز الآن وشاخصة للجميع ان أي من الحكومات العراقية المتعاقبة منذ اسقاط النظام المباد عام 2003 لم تفعل المطلوب منها لإنصاف الضحايا الكورد الفيليين واسرهم؛ فلقد صرح كثير من الضحايا و عائلاتهم، انه لم يزل يجري التعامل مع الكورد الفيليين في الدوائر المعنية بملفاتهم كأنهم "مواطنين من الدرجة الثانية"، وبشكل خاص في دوائر الأحوال المدنية والجنسية وكذلك في مؤسسات هيئة حل نزاعات الملكية العقارية، ويقول كثير منهم انه يجري استفزازهم من "عناصر حزب البعث" والمرتشين الفاسدين ويطالب كثيرون بإناطة إدارة هذه الدوائر الى قضاة ومحامين كفوئين، ويلاحظ ان مراجعات الضحايا واسرهم تجري حتى اليوم لإنصاف ضحايا التهجير القسري للفيليين واستعادة حقوقهم والوثائق الثبوتية وتعويضهم عن الخسائر التي لحقت بهم في الماضي، بما في ذلك إصدار الجنسية العراقية أسوة بسكان الشعب العراقي كافة، واشتكى كثير من المراجعين لتلك الدوائر من تصرفات بعض الموظفين بالقول، انهم يضعون إشارات خاصة على اوراقهم، واطلاق عبارات التهديد والوعيد بحقهم؛ كما يشتكون من ان الحكومة العراقية لم تقم بنشر الوثائق الرسمية الصادرة من قبل حكومة النظام السابق المتعلقة بتهجير الكورد الفيليين منذ عام 1970 وحتى سقوطه في 9/4/2003 ، ومعاقبة الذين شاركوا في التهجير كونهم اسهوا في عملية اقر القضاء العراقي انها عملية إبادة بشرية.

محاولة لاسترجاع الأسباب

يخلص البعض الى القول ان الكورد الفيليين وقعوا ضحية الانقسام القومي والمذهبي الذي تسبب في اضطهادهم وتهجيرهم وتخوينهم، ومصادرة حقوقهم المشروعة، ومنها حرمانهم من الجنسية العراقية، وتهميشهم من قبل الأنظمة السياسية المتعاقبة، بما في ذلك منع تعيينهم في دوائر الدولة منذ 1963 وحتى بعد اسقاط النظام المباد عام 2003، فيما يعد بعض المحللين، ان عدم تواجد كتلة فيلية تتبنى استحقاقاتهم في حوارات الكتل السياسية أحد أبرز الأسباب في عدم تبني القضية الكوردية الفيلية في إطار مؤسساتي، سواء من الأحزاب الإسلامية في الحكومة العراقية أو من الاحزاب الكوردية في كوردستان العراق، وأصبحت هذه القضية هامشية بامتياز، بحسب قولهم؛ ويستندون على رأيهم بتشتت الكورد الفيليين في توزيع ناخبيهم على عدة قوائهم في الممارسات الانتخابية التي جرت في العراق بعد عام 2003 وعدم اتفاقهم على شخصية واحدة، ومن ثم سعى الكل لكسبهم سواء أكان على أساس المذهب أم القومية خدمةً لمصالح تلك القوائم، وفي الوقت عينه يتهمون هذه الأحزاب بممارسة التخندق القومي أو المذهبي على غرار سياسات الاضطهاد التي كانت تمارسها الأنظمة السابقة ضد الأقليات والمكونات الصغيرة، ومنهم الفيليون.

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon